المراكز
مقالات

مقال يوم الأثنين ٨/٩/٢٠٢٥

للدكتور محمد عباس زنجار

مدير مركز جامعة واسط للدراسات الاستراتيجية.

لم يعد تغييب الشخصيات الوطنية الحرة حدثاً عابراً يمكن أن يمر بصمت، بل صار نهجاً ثابتاً لدى الدول التابعة والعميلة التي لا تملك من قرارها سوى ما يُملى عليها من واشنطن وتل أبيب .. من مصر اليوم إلى السعودية بالأمس، يتكرر المشهد ذاته: اختطاف، تغييب، اغتيال معنوي أو جسدي، واستهداف مباشر لكل صوت يخرج من دائرة الطاعة المرسومة.

هذا النهج ليس طارئاً على التاريخ، إنما هو امتداد لسياسات أموية وعباسية غارقة بالدم والإقصاء والتصفية ... منذ أن أُقصيت الأصوات الحرة في صدر الإسلام، مروراً بمأساة تغييب الإمام السيد موسى الصدر، وصولاً إلى ما نشهده اليوم من غياب الإعلامي والمحلل السياسي السيد أمير الموسوي في مطار القاهرة بعد وصوله بدعوة رسمية، وكأنّ التاريخ يعيد نفسه بوجه أشد قبحاً وأوضح عمالة.

إنّ هذه الحوادث تكشف بجلاء أنّ الدول المطبعة الذليلة، وعلى رأسها السعودية ومصر، لم تخرج يوماً من عباءة التبعية للسياسات الأمريكية والإسرائيلية...  وما يحدث في مواسم الحج أو في مطارات الذل هو شاهد حي على مشروع يهدف إلى إفراغ الأمة من رموزها، وقطع الطريق على كل عقل حر وصوت شجاع.

إنّ ما يجري اليوم ليس مجرد قضية شخصية، بل هو إنذار استراتيجي يضع جميع القوى الوطنية والإسلامية أمام مسؤولياتها. فالصمت عن تغييب السيد أمير الموسوي يعني القبول بتكرار مأساة السيد موسى الصدر، والرضوخ لنهج التصفية الذي يستهدف كل من يقول كلمة حق.

إننا أمام امتحان سياسي وأخلاقي وديني وثقافي في آن واحد .. إما أن نكون أو لا نكون .. وأول الطريق هو المطالبة الجادة بكشف الحقيقة فوراً، وتحويل هذا الحدث إلى قضية رأي عام كبرى، لا تسمح للمتورطين أن يختبئوا خلف أقنعة الدبلوماسية أو ذرائع الأمن.





إلغاء تفويضات الحرب الأمريكية على العراق: خطوة متأخرة تكشف ازدواجية واشنطن: 

بقلم: م.م علي عبدالله رهيف 

مركز جامعة واسط للدراسات الاستراتيجية 

الاحد ، 14/9/2025

صوّت الكونغرس الأمريكي بأغلبية على إلغاء تفويضات استخدام القوة العسكرية المتعلقة بالعراق، وهي خطوة تبدو للوهلة الأولى إيجابية، لكنها في عمقها تثير الكثير من الأسئلة والقلق، خصوصًا في العالمين العربي والإسلامي. إذ إن هذه التفويضات كانت الأساس القانوني لشن حروب مدمّرة على العراق والمنطقة، وما خلفته من احتلال ودمار وفوضى لا تزال آثاره قائمة حتى اليوم.

أولاً: المدلول القانوني… رفع غطاء بعد خراب العراق

من الناحية القانونية، كان العراق مشمولًا بتفويضين رئيسيين:

تفويض 1991 (حرب الخليج).

تفويض 2002 (غزو العراق وإسقاط النظام).

إلغاء هذه التفويضات اليوم لا يغيّر من حقيقة أن الولايات المتحدة استغلتها لعقود كي تفرض وصايتها العسكرية وتبرر تدخلاتها. ومع أن التصويت يعني سحب الغطاء التشريعي عن أي عمليات عسكرية جديدة ضد العراق، إلا أن الدستور الأمريكي ما زال يمنح الرئيس سلطات واسعة، ما يجعل أي عمل عسكري مستقبلي قائمًا على مزاج سياسي أكثر من كونه خاضعًا للقانون الدولي أو لشرعية حقيقية.

ثانيًا: النتائج السياسية… تناقض الرسائل الأمريكية

سياسيًا، هذا القرار لا يعني انسحابًا فوريًا للقوات الأمريكية من العراق، بل قد يُستخدم كورقة تجميل لصورة واشنطن داخليًا. فبينما يُسوّق القرار كخطوة لإنهاء “الحروب الأبدية”، فإن الوجود العسكري الأمريكي ما زال قائمًا، والتوجهات الاستراتيجية للبيت الأبيض لا تعكس انسحابًا بقدر ما تعكس إعادة تموضع نحو صراعات أخرى مع الصين وروسيا.

هذا التناقض يثير قلقًا مشروعًا في العالم الإسلامي، الذي خبر مرارًا أن الشعارات الأمريكية عن الديمقراطية والسلام غالبًا ما تخفي وراءها حسابات سياسية واقتصادية لا تراعي سيادة الدول ولا مصالح شعوبها.

ثالثًا: اتفاقية الإطار الاستراتيجي… غطاء جديد بدل الغطاء القديم

رغم إلغاء التفويضات، فإن اتفاقية الإطار الاستراتيجي لعام 2008 تبقى قائمة، ما يعني أن واشنطن لم تتخلَّ عن نفوذها في العراق. صحيح أن الاتفاقية ثنائية وتستند إلى موافقة الحكومتين، لكن التجارب السابقة أثبتت أن الولايات المتحدة لطالما استغلت الاتفاقيات والمعاهدات كأدوات لإبقاء موطئ قدم عسكري وسياسي لها.

التحول المزعوم من “قانون حرب” إلى “اتفاقية ثنائية” قد يبدو خطوة إيجابية، لكنه فعليًا لا يطمئن العالم الإسلامي، بل يعكس قدرة واشنطن على تبديل أقنعتها القانونية لتبقى حاضرة في المنطقة تحت مسميات مختلفة: مرة حربًا، ومرة تدريبًا واستشارات أمنية.

الخلاصة: قلق مشروع من سياسات واشنطن

التصويت الأمريكي على إلغاء تفويضات الحرب في العراق، وإن بدا قرارًا متأخرًا نحو تصحيح المسار، إلا أنه لا يلغي حقيقة أن واشنطن هي التي أشعلت تلك الحروب ودفعت المنطقة ثمنًا باهظًا لها.

اليوم، يحاول صانع القرار الأمريكي الظهور بمظهر من يريد إغلاق صفحة الماضي، بينما الواقع يؤكد استمرار النفوذ العسكري والسياسي بأشكال جديدة. وهذا ما يجعل العالم العربي والإسلامي أمام ضرورة قراءة هذه الخطوة بحذر، لأنها قد لا تكون إلا تغييرًا في التكتيك لا في الاستراتيجية، ولأن ازدواجية واشنطن هي الخطر الحقيقي الذي يهدد استقرار المنطقة.